عن أحمد بن سعيد العابد عن
أبيه قال كان عندنا بالكوفة شاب متعبد لازم المسجد الجامع لا يكاد يفارقه وكان حسن
الوجه حسن القامة حسن السمت فنظرت إليه امرأة ذات جمال وعقل فشغفت به وطال عليها
ذلك
وجملة ما أقول لك إن جوارحي كلها مشغولة بك فالله الله
في أمري وأمرك فمضى الشباب إلى منزله وأراد أن يصلي فلم يعقل كيف يصلي فأخذ قرطاسا
وكتب كتابا ثم خرج من منزله وإذا بالمرأة واقفة في موضعها فألقى الكتاب إليها ورجع
إلى منزله وكان فيه بسم الله الرحمن الرحيم أعلمي أيتها المرأة أن الله عز و جل
إذا عصاه العبد حلم فإذا عاد إلى المعصية مرة أخرى ستره فإذا لبس لها ملابسها غضب
الله تعالى لنفسه غضبة تضق منها السموات والأرض والجبال والشجر والدواب فمن ذا
يطيق غضبه فإن كان ما ذكرت باطلا فإني أذكرك يوما تكون السماء فيه كالمهل وتصير
الجبال كالعهن وتجثوا الأمم لصولة الجبار العظيم وإني والله قد ضعفت عن إصلاح نفسي
فكيف بإصلاح غيري وإن كان ما ذكرت حقا فإني أدلك على طبيب هدى يداوي الكلوم
الممرضة والأوجاع المرمضة ذلك الله رب العالمين فاقصديه بصدق المسألة فإني مشغول
عنك بقوله تعالى وأنذرهم يوم الآزفة إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين ما للظالمين من
حميم ولا شفيع يطاع يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور فأين المهرب من هذه الآية
ثم جاءت بعد
ذلك بأيام فوقفت له على الطريق فلما رآها من بعيد أراد الرجوع إلى منزله كيلا
يراها فقالت يا فتى لا ترجع فلا كان الملتقى بعد هذا اليوم أبدا إلا غدا بين يدي
الله تعالى ثم بكت بكاء شديدا وقالت أسأل لك الله الذي بيده مفاتيح قلبك أن يسهل
ما قد عسر من أمرك ثم إنها تبعته وقالت امنن علي بموعظة أحملها عنك وأوصني بوصية
أعمل عليها فقال لها أوصيك بحفظ نفسك من نفسك وأذكرك قوله تعالى وهو الذي يتوفاكم
بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار قال فأطرقت وبكت بكاء شديدا أشد من بكائها الأول ثم
إنها أفاقت ولزمت بيتها وأخذت في العبادة فلم تزل على ذلك حتى ماتت كمدا
فكان الفتى
يذكرها بعد موتها ثم يبكي فيقال له مم بكاؤك وأنت قد أيأستها من نفسك فيقول إني قد
ذبحت طمعها في أول أمرها وجعلت قطيعتها ذخيرة لي عند الله تعالى فأنا أستحي منه أن
أسترد ذخيرة ادخرتها عنده تعالى